راديو اوريكس اف ام باللغة الفرنسية من قطر
... محطة إذاعية قطرية أم فرنسية ؟!!!
ليس من الغريب أن تقوم بعض الدول بأنشاء
وسائل اعلامية بلغاتها وبلغات أجنبية مختلفة ، موجهة لشعوب ومناطق مختلفة في
العالم ، تهدف من خلالها إلى إبقاء أو نشر ثقافتها وتاريخها والتعريف بنظمها
السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية وانماط معيشتها عبر البرامج الثقافية
والفنية والإجتماعية والسياسية المختلفة التي تبثها من خلال هذه الوسائل سواء كانت
سمعية أو بصرية أو مقرؤة ، هذا بالإضافة إلى طرح وجهة نظرها ومواقفها السياسية في
ما يجري من احداث وقضايا على مختلف المستويات والأصعدة في العالم من خلال البرامج
السياسية والحوارية والإخبارية ، ويظهر ذلك جليا في طريقة التغطية للقضايا
والتحليلات المصاحبة لها .
ولدينا العديد من الأمثلة على ذلك ، وربما
تاتي ال البي بي سي على رأس ما نعرفه من وسائل إعلامية من هذا النوع . فهذه المحطة
التي أنشئت في سنوات الخمسين من القرن الماضي لا تبث فقط باللغة العربية وإنما
بلغات عديدة على مستوى العالم منها الأوردية والهندية والفارسية وغيرها . كما إن
هذه المحطة ، التي بدأت إذاعية ، صارت تبث أيضا تلفزيونيا مستفيدة من التطورات
التكنولوجية التي تسمح بالبث التلفزيوني على مستوى الأرض من خلال الفضائيات .
ولا ننسى محطة صوت أمريكا المشهورة التي تصل
لمختلف البقاع في الأرض بمختلف اللغات أيضا ، وهي المحطة التي تطرح وجهة النظر
الأمريكية بامتياز ، وفي نفس السياق تسير محطة الحرة التلفزيونية . وفي الجانب
الفرنسي لدينا راديو فرنسا الدولي ومحطة مونت كارلو الإذاعية التي تبث بالعربية
ولها موجة اف ام في قطر ، وTV5 التلفزيونية التي تبث في كل أركان المعمورة لنشر
اللغة والثقافة الفرنسية تحديدا ، بالإضافة إلى محطة France 24 التلفزيونية التي أنشئت قبل
بضع سنوات بثلاث لغات هي الفرنسية والإنجليزية والعربية ، وهي المحطة التي تهدف
إلى طرح وجهة النظر الفرنسية في مجمل القضايا والأحداث وخاصة تلك المتعلقة بالشرق
الأوسط وتحاول الأبقاء والحفاظ على تأثيرها في الدول التي كان لها وجود فيها وخلق
وجود لها في ما عداها ، هذا بالإضافة بالطبع إلى الحفاظ على الثقافة الفرنسية
ونشرها .
وظهرت كذلك محطات أخرى
تخدم توجهات الدول التي تبث منها ، نذكر منها ما يبث باللغة العربية تحديدا ،
كقناة العالم من ايران وروسيا اليوم من روسيا و CCTV من الصين والتركية العربية وDTW الألمانية وغيرها ، ولا نستثني
هنا قناة الجزيرة في قطر التي تبث أيضا بعدة لغات بعد أن كانت تبث فقط بالعربية .
لا أقول بأن قيام الدول
بأنشاء محطات إذاعية وقنوات تلفزيونية ، وينطبق ذلك على الصحف ، بأنه خطأ بل ظاهرة
صحية لنشر ثقافاتها ولغاتها وتعطينا الفرصة للتعرف على مواقفها السياسية وغيرها
بغض النظر عن اتفاقنا أو عدم اتفاقنا معها . وكما يفعل الآخرون علينا فعل الشيء
نفسه والسير في عين الإتجاه للحفاظ على ثقافتنا وهويتنا ونشرها لدى الغير وطرح
وجهات نظرنا .
لكن ماذا عن راديو
أوريكس اف ام من قطر ؟ ولماذا تسآلت في عنوان هذا المقال عن جنسية المحطة على
الرغم من أنها تبث من قطر ؟!
يجب أن نعلم أولا بأن
كل ما ذكرته أعلاه من وسائل إعلامية ، وقد فاتني الكثير منها بالتأكيد ، تعمل ضمن
سياسات وخطط ورؤى واضحة وضعها أصحابها لتخدم ما يعتقدون بأنها مصالحهم و مصالح دولهم ، وهي تقع مباشرة تحت إشرافهم ورقابتهم
ومحاسبتهم . ولأجل ذلك يقومون بأنفسهم باختيار من يقوم على إدارة وتشغيل تلك
الوسائل الإعلامية بعناية شديدة وضمن شروط صارمة وسياسة واضحة ومحددة إلى درجة عدم
ترددهم في إنهاء خدمات كل من يشذ عن سياسات وقواعد تلك المحطات والقنوات والصحف ،
ولدينا في ذلك الكثير من الأمثلة ، فهل يا ترى ينطبق ذلك على إذاعة أوريكس اف ام
الناطقة بالفرنسية من قطر ؟
أود أن أحيط الأخ
القارىء في هذا الخصوص بأن قرابة ال 80 % من برامج راديو أوريكس تأتيه جاهزة
ومعلبة من فرنسا ، سواء كانت ثقافية أو اجتماعية أو سياسية أو حوارية أو غيرها ،
وليس على راديو اوريكس سوى بثها ، لكن ماذا عن محتوياتها ؟ هل تخضع للرقابة كما
يحدث مع إذاعة وتلفزيون قطر وغيرها ؟ وإن وجدت هذه الرقابة فمن يقوم بها ومن يحدد
ما هو صالح للبث وما هو غير صالح ، خاصة إذا عرفنا بأنه لا يوجد قطري واحد في هذه
المحطة ، وإن وجد فهو لا يتحدث الفرنسية !!!.
أعلم بأنه تم إنشاء هذه
الإذاعة باتفاق بين المؤسسة القطرية للاعلام وراديو فرنسا الدولي ، لكنني مع الأسف
لم أستطع الحصول على نسخة من هذا الإتفاق على الرغم من بحثي عنه في وسائل الإتصال
المتوفرة لأعرف ما هي تفاصيله ، لكنني أعلم أيضا ، وكما قلت ، أنه لا يوجد قطري
واحد يعمل في هذه المحطة ، وإن أراد أحدهم العمل بها فهو غير مرحب به ، وأعلم بأن
من يعمل في هذه الإذاعة من عرب وأجانب ، كثير منهم لا يملك خبرة مهنية في المجال
الإعلامي ، يستلم راتبه من الجانب القطري ويعتبر بهذا موظفا في المؤسسة القطرية
للاعلام ، وإن كنت مخطئا فأرجو أن يصححني أحدهم . وبالتالي فأنه من الطبيعي أن
تخضع هذه المحطة للسياسة الإعلامية القطرية التي تخضع لها إذاعة قطر وغيرها من
المحطات الإذاعية كما تلفزيون قطر والمحطات التلفزيونية الأخرى ، لكن .... ؟
إن ما دفعني إلى كتابة
هذا المقال هي الأحداث الأخيرة التي جرت وتجري في غزة العزيزة علينا ، إذ إن ما
ينطبق على البرامج المعلبة الجاهزة المستوردة من فرنسا ينطبق أيضا على نشرات
الأخبار التي تبثها إذاعة اوريكس من قطر مع الأسف الشديد !!!. فالمذيع في إذاعة
اوريكس اف ام قطر يذيع الخبر بالطريقة والصيغة التي يستلمها والتي تعود المستمع أو
المشاهد الفرنسي على تلقيها في بلاده والتقارير الإخبارية التي تحمل التفاصيل تأتي
كلها من راديو فرنسا الدولي و غيرها كما هي ليسمح لها هكذا بطرح رؤيتها ووجهة
نظرها وتحليلها في هذه القضية أو غيرها والتي غالبا ما تتعارض مع المواقف المبدئية
والقيمية لنا سواء السياسية منها أو الإجتماعية أوالثقافية أو حتى الدينية منها وغيرها
!
وهذا ما تم بالضبط في
تغطية أحداث غزة الأخيرة حيث لم تتردد إذاعة أوريكس في بث التقارير التي تصلها
والتي تأخذ في مجملها وجهة النظر الإسرائيلية في تبريرها للعدوان على غزة كالدفاع
عن النفس كما تدعي وتتحدث عن ما تسميه معاناة الأسرائيلين وخوفهم الشديد ولجوئهم
للمخابىء والملاجىء للاحتماء من صواريخ ( الإرهابيين الفلسطينيين ) وسقوط عدد منهم
جراء ذلك ، غافلة بذلك أو قل متغافلة عما حدث ويحدث للجانب الفلسطيني من قتل
وتشريد ودمار . والكل يعرف بأن وسائل الإعلام الفرنسية لا تختلف كثيرا عن مثيلاتها
في الغرب عموما في مواقفها المنحازة للجانب الإسرائيلي والمعادية للقضية الفلسطينية
. أذكر هنا كمثال قيام المحطة التلفزيونية الفرنسية الثانية باقصاء أحدى المذيعات
عن تقديم نشرة الأخبار لمجرد أنها قالت ، في خبر عن فلسطين ، الأراضي المحتلة من
قبل إسرائيل وليس الأراضي المحتلة فقط كما جرت العادة عندهم . هذه كلمة واحدة
أضيفت ، ربما بقصد أو بدون قصد ، أستبعدت بسببها تلك المذيعة من الظهور مرة أخرى
على الشاشة في فرنسا ، ونحن نقبل يا سادة بمحطة إذاعية كاملة في بلادنا تبث الكثير
مما يتعارض مع عقيدتنا ومبادئنا وأخلاقياتنا وقضايانا واتجاهاتنا !!! .
أنه لمن المؤسف والمحزن
أن يصل البعض عندنا في محاباته ومجاملاته للغرب عموما ولفرنسا خصوصا إلى درجة
اعطاءهم هذا المنبر الإذاعي المجاني المدفوع
الأجر بالكامل من الجانب القطري ، ليتاح لهم بث ما يمكن أن يتعارض مع مواقفنا ومبادئنا
وقيمنا واخلاقياتنا في بلادنا تحت شعارات زائفة مختلفة ومنها ما يطلقون عليه
بالتعدد الثقافي ، بدلا من الإستفادة من هذه الإذاعة في خدمة قضايانا وطرح وجهة
نظرنا ، والتعريف بهويتنا وثقافتنا وتراثنا ولغتنا العربية الجميلة للجاليات
الأجنبية الناطقة باللغة الفرنسية المقيمة في قطر ، تماما كما تفعل فرنسا نفسها في
وسائلها الإعلامية الموجهة لنا التي تبث باللغة العربية أو غيرها .
والله من وراء القصد
،،،
حسن علي الأنصاري