كتبت في العام الماضي مقالا بعنوان " أين هيئة متاحف قطر في معرض الكتاب " حول غياب هيئة متاحف قطر عن المشاركة في معرض الدوحة الدولي للكتاب سواء في نسخة العام الماضي 2010 أو في النسخ السابقة ، وذلك منذ إنشائها في مارس 2006 أي قبل حوالي الست سنوات ، على الرغم من كون ذلك أساسيا وطبيعيا ومن الالويات الرئيسية لهيئة يفترض أنها تعنى بجانب مهم من العمل الثقافي وهو العمل الآثاري والمتحفي . ولايزال هذا الغياب مستمر مع الأسف الشديد إذ أننا لا نرى مشاركة للهيئة في نسخة المعرض لهذه السنة 2011، ولا تظهر في الأفق أية بوادر لأية مشاركات للهيئة في النسخ القادمة للمعرض مما يثير الدهشة والاستغراب والتساؤل ، خاصة وأن الأمر يتعلق بالمشاركة في الحدث الثقافي السنوي الأهم والأبرز على الساحة الثقافية في دولة قطر والتي تحرص جميع المؤسسات ذات الصلة على المشاركة فيه ، فما بالك بهيئة تعنى باحدى أهم الجوانب الثقافية حسبما جاء في قرار إنشائها ! يا ترى لماذا لم ولا ولن تشارك هيئة متاحف قطر في معرض الدوحة الدولي السنوي للكتاب وتستمر في سبات نومها العميق ؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه .
عندما صدر في أواخر العام 2005 قرارا بفصل إدارة المتاحف والآثار عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث وإنشاء هيئة مستقلة مكانها للمتاحف والآثار بإسم هيئة متاحف قطر ، كان الهدف تنمية وتطوير العمل المتحفي والآثاري بمختلف جوانبه المهنية والميدانية والعلمية والأكاديمية حسبما جاء في القرار . وعلى الرغم من التحفظ المهني والعلمي على هكذا قرار بفصل جانب مهم من الثقافة عن الجهة المنوط بها منطقيا وطبيعيا الإشراف والإهتمام بالثقافة - وقد تأكد صحة هذا التحفظ لاحقا نظرا لما لحق العمل المتحفي والآثاري من أضرار بليغة لا يمكن إصلاحها - إلا أن الأهداف المعلنة في القرار كانت نبيلة وتسعى للتطوير والتحسين والتي حددت أيضا المهام والإختصاصات والآليات لتنفيذها !.
بدلا من الإستمرار في الإستفادة من الكفاءات والخبرات القطرية وغيرها التي كانت تعمل في إدارة المتاحف والآثار واستكمال ما كان غير مكتمل أو قيد الإنشاء أوالإنجاز ، قام مجلس أمناء هيئة متاحف قطر الوليدة بتعيينات لمصادر بشرية لا علاقة لها البتة بالمتاحف والآثار لا من قريب ولا من بعيد في وظائف إدارية قيادية قامت بدورها بتعيين من لا يختلف عنها في العلاقة بمجال عمل الهيئة ، وقد نتج عن ذلك بطبيعة الحال إقصاء الكفاءات والخبرات المتميزة فتقهقر العمل المتحفي والآثاري إلى الوراء بشكل مخيف لا يمكن معه اصلاحه في ظل استمرار الوضع الحالي على ما هو عليه . وقد عرفت الهيئة هزات عنيفة أدت إلى تغيير مدير الهيئة أكثر من مرة لكن التغيير كان يتم بتعيين من هو اسوأ وأبعد عن مجال عمل الهيئة بدلا من الإعتراف بالخطأ والعودة للإستعانة بالخبرات الموجودة ، فتحول معالجة الخطأ هكذا بخطأ أفدح من سابقه !.
ولأن أصحاب الإختصاص تم إستبعادهم وتهميشهم ، تراجع العمل المتحفي والآثاري كما قلت ومن ذلك اندثار الأبحاث والدراسات والنشرات والكتب والمحاضرات القيمة والمطبوعات المختلفة والتوثيق والأرشفة والأعمال الميدانية والتعاون مع المؤسسات والمراكز الثقافية والتعليمية المختلفة ، ناهيك عن عدم وجود أي أبحاث أو دراسات علمية وأكاديمية كرسائل الماجستير والدكتوراة عن المواقع الأثرية أو المتاحف في دولة قطر منذ إنشاء هيئة متاحف قطر قبل حوالى الست سنوات . ومن غير المبالغة القول بأن الهيئة لم تقم أو لم تتمكن حتى من إعادة طباعة كل ما قامت بنشره إدارة المتاحف والآثار من كتب ودراسات وابحاث الكثير منها لكفاءات قطرية مشهود لها كالسادة عبدالله الخليفي في الآثار ومحمد جاسم الخليفي في العمارة القطرية ومحمد سعيد البلوشي في التراث وإبراهيم الجابر في المسكوكات الإسلامية ودرويش الفار في المتاحف وغيرهم ، خاصة وأن معظم هذه الإنتاجات قد نفذت أعدادها ولم تعد متوفرة للمهتمين من الدارسين والباحثين !.
لكن كيف يمكن الإهتمام بمجال البحث والنشر والقائمون على الهيئة حاليا لم يتمكنوا حتى من الإستمرار في إصدار نشرتهم الإخبارية الهزيلة لأكثر من عددين أو ثلاثة والتي لم تكن تحوي إلا على أخبار بعض الأنشطة الجانبية والهامشية التي لا علاقة لها بالمتاحف والآثار كبعض الأنشطة الرياضية والسياحية والطبخ والمطاعم وتعيينات لموظفين لا ندري من أين يؤتى بهم و لاتحتوي على أي مواضيع أو أبحاث أو دراسات أو تعليقات حول الآثار والمتاحف أو غيرها من المجالات العلمية ذات الصلة !.
في هكذا وضع غير صحي وغير سليم ، كيف يمكن إذن لهيئة متاحف قطر أن تشارك في معرض الدوحة الدولي للكتاب وانتاجها العلمي والأكاديمي يعادل الصفر منذ إنشائها قبل حوالى الست سنوات . يا ترى ماذا ستعرض في جناحها لو شاركت ؟ هل ستشارك بارفف فارغة ؟ لذلك تراها بعيدة عن هذه الفعاليات ، كما لا تستغرب عزيزي القارىء الغياب التام لمسئولي الهيئة عن الفعاليات والأحداث الثقافية المختلفة التي تقوم على مدار العام على الرغم من أنهم يجب أن يكونوا في مقدمة الحضور، وكذلك لا تستغرب غيابهم التام عن المشاركة في المؤتمرات والإجتماعات الداخلية والخارجية إذ أن فاقد الشيء لا يعطيه .
المؤسف في الأمر ، إن الذي يساعد هؤلاء على التمادي والإستمرار في هكذا وضع خاطىء هي تلك وسائل الإعلام المرائية والمطبلة والمزمرة التي تبرهن لنا يوما عن يوم على مدى بعدها عن الأمانة الوظيفية التي تملىء عليها قول الحقيقة لتنوير المجتمع .
ملاحظة أخيرة :
في وسط كل التجاوزات والمخالفات الإدارية والمالية التي تعاني منها هيئة متاحف قطر وعلى رأسها الحرب العلنية التي تقوم بها إدارة الهيئة على الكفاءات القطرية في تحد واضح وصارخ لما تعلنه الدولة ، هل سنرى محاسبية قريبة لهيئة الرقابة الإدارية والشفافية على هيئة متاحف قطر ينتج عنها إتخاذ إجراءات جزائية وعقابية رادعة ؟ أتمنى ذلك ، والله من وراء القصد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق