الجمعة، 9 سبتمبر 2011

زيادة الرواتب ..... هل هي بداية لرد الاعتبار للكفاءات القطرية ؟


جاءت أخيرا الزيادة في الرواتب التي كان موظفي الدولة ينتظرونها منذ فترة ، وهي زيادة حقيقة مجزية خاصة في ظل الأرتفاع المتواصل للأسعار خاصة تلك المتعلقة بالسلع الإستهلاكية . وأعتقد في البداية إن هذه الزيادة أتت لتقليص الفجوة في الرواتب بين هؤلاء ممن ينطبق عليهم قانون الموارد البشرية الذين شملهم قرار الزيادة وهؤلاء أصحاب العقود الخرافية في بعض الجهات الحكومية ممن لا يخضعون لقانون الموارد البشرية ، أويرفضون الخضوع له لما لهم من رواتب عالية ومميزات لا يحصل عليها موظف الدولة العادي . لكننا فوجئنا وكالعادة عندنا في قطر ، ببعض التفسيرات والتأويلات للقرار في وسائل الاعلام تفيد بشمول قرار الزيادة اصحاب تلك العقود الخرافية مما سيبقي ، إن صح هذا الكلام ، على الفجوة بل وسيوسعها . فمثلا من راتبه الأساسي 80000 ريال سيصبح 128000 شهريا وإذا أضفنا البدلات والعلاوات الأخرى سيصل راتبه إلى ما فوق ال 200000 ريال شهريا فهل هذا معقول ؟ خاصة وإن الراتب أصلا عالي ما يعني إن الإستفادة جاءت مزدوجة وأبقى هؤلاء على مسافتهم المميزة والمتباعدة مع الآخرين ، ناهيك عن إن تلك العقود تدور حولها الشكوك عن مدى قانونيتها من الأساس !

إلا أن قرار الزيادة لم يشر صراحة إن كان يشمل الموظفين الغير قطريين العاملين في القطاع الحكومي الخاضعين لقانون الموارد البشرية أصحاب الرواتب المتدنية والعادية ، وليس هؤلاء الأجانب المستفيدين من العقود ذات الرواتب العالية ، إذ أن هؤلاء الموظفين يشغلون جانب مهم من الوظائف الحكومية ويعيشون في نفس المجتمع ويتعرضون إلى ما يتعرضون له من زيادة في الأسعار وتضخم وجب معه النظر اليهم وأخذهم بعين الإعتبار وهم في معظمهم من اخواننا العرب والمسلمون ، فضلا عن إن شمولهم بالزيادة سيدفعهم لمزيد من الاجتهاد والعطاء ويقلص من الفجوة بينهم وبين زملاءهم القطريين ، وهم ليسوا من هؤلاء الأجانب أصحاب العقود الخيالية التي غالبا يستفيد منها من لا يستحقها في زمن انقلاب العدالة والموازين !
من ناحية أخرى ، جاء قرار الزيادة هذا ليؤكد مرة أخرى مدى قوة القطاع العام المدعوم من الدولة وكيف إن الفرد يعتمد على الدولة وليست الدولة تعتمد على الفرد وكيف أن الدولة هي المحرك الرئيسي ، إن لم أقل الوحيد ، للوضع الإقتصادي في البلاد ! ويأتي هذا القرار ليضعف أكثر القطاع الخاص الذي سيرى من يعمل فيه من القطريين يسعون لتركه والعمل في القطاع الحكومي لأنه ، بكل بساطة ، لا ولن يستطيع مجاراة الحكومة في زيادة الرواتب بنفس المعدل وربما ليس حتى بمعدل نصفه . وهكذا فأنه من المؤسف القول إن قرار الحكومة بزيادة رواتب موظفيها ، على الرغم من ضروريته وأهميته ، جاء معاكسا لسياسات الدولة الداعمة للقطاع الخاص وخاصة سياسة زيادة نسبة القطريين للعمل في القطاع الخاص التي اتبعتها خلال السنوات الماضية ! ومن هنا وجب التنويه إن الشريحة المستفيدة من هذه الزيادة هي شريحة موظفي الدولة فقط وليس كل المواطنين القطريين ومنهم الفقيروالعاطل والعاجز أو الذي لا يعمل في الحكومة ومنهم كذلك فئة النساء الأرامل والمطلقات اللاتي تعلن أسر أو غيرهن ممن تعشن لوحدهن و غيرهن أو غيرهم لربما فاتني ذكرهم !
لقد ضجت وسائل الآعلام بخبر الزيادة في رواتب موظفي الدولة خلال الأيام الماضية وامتلأت بالتصريحات والتعليقات التي ترحب وتؤيد وتشكر الحكومة على هذه الزيادة وهذا أمر لا غبار عليه بل يمكن القول بأنه طبيعي وحميد . لكن الكثير من هذه التصريحات والتعليقات ركزت على إن هذه الزيادة ستساهم بشكل فعال في تطوير وتحسين الانتاجية في العمل الحكومي وخلق بيئة عمل جدية وستكون حافزا قويا لدى الموظفين لبذل مزيد من الجهد والعطاء والاخلاص في عملهم ، وهذا ما لا يستطيع أحد التشكيك فيه لأغلب الموظفين حتى في ظل عدم وجود زيادة في رواتبهم ، لكن هل تكمن المشكلة حقا في زيادة الرواتب لتطوير العمل الحكومي وتغيير واقعه ؟
برأي ، لن يتغير واقع العمل الحكومي كثيرا إن لم أقل مطلقا لأن الأمر لا يتعلق بموظفين لا يؤدوا إلا عملهم  بقدرما يتعلق بممارسات بعيدة عن المعايير المهنية والأخلاقية يجب أن تختفي ليتغير فعلا واقع العمل الحكومي . فالفساد الإداري والمالي لا يزال بارزا بقوة فيه والعامل الأبرز فيه التعيينات العشوائية والعبثية والاعتباطية برواتب عالية والتي لا تستند مطلقا على عوامل المهنية والكفاءة والخبرة بل على معايير المحاباة والقرابة والشللية والعلاقات الشخصية ، والقيام باقصاء ومحاربة أصحاب الخبرة والكفاءة وذلك باحالتهم أما الى التقاعد المبكر أو إلى ما يسمى بالبند المركزي أو العمالة الفائضة وإحلال الأقارب والربع والمعارف مكانهم دونما أدنى خبرة بمجال العمل مما يصيب العمل الحكومي في مقتل . وطالما استمرت هذه الممارسات فلا يتوقع أحد تغيير حقيقي في واقع العمل الحكومي بل إن هذا الواقع سيزداد سوءا وانهيارا لأنها تمثل قمة الفساد الإداري والمالي لما لها من تأثيرات سلبية قوية على المجتمع نفسه تؤدي لا سمح الله إلى تفككه وانهياره .
لقد شمل قرار زيادة الرواتب المحالين قسرا للتقاعد المبكر وإلى ما يسمى بالبند المركزي أو العمالة الفائضة وأغلبهم من الكفاءات القطرية المشهود لها  الذين لا يخفى على أحد في أن من قام باقصاءهم من عملهم والتخلص منهم ، ليحرموا الدولة من خدماتهم ، هم هؤلاء من يسمون بمسئولين ومدراء تم تعيينهم بالمعايير اللامهنية واللاأخلاقية سابقة الذكر أعلاه ، وهم في معظمهم ضعاف نفوس وعديمي نخوة وغيرة على المصلحة العامة ، لأنهم خافوا من افتضاح أمرهم وانكشاف ضعفهم أمامهم ، وجلبوا مكانهم من هم أقل منهم دراية وأكثر جهل ليتمكنوا من السيطرة عليهم فتراجع العمل الحكومي وأشيعت الفوضى . وبما إن الأمر كذلك ، فأنني أتمنى أن تكون هذه الزيادة في الرواتب بداية لرد الاعتبار لهذه الكفاءات وليكتمل باعادتها إلى عملها واعطاءها حقها المهني لأنهم أصحاب الخبرة والكفاءة الذين يشرفون البلاد ويفتخرون بها ، وأنا متقين من رغبة معظمهم في العودة لخدمة الدولة ، ولنوقف هذه الممارسات اللامهنية المتمثلة في تعيين من لا يستحق في ما لا يستحق ، هذه الممارسات التي ستوصلنا إلى الهاوية لا سمح الله لأن من يستحق الثقة هم أصحاب الخبرة والكفاءة المخلصين والاوفياء المحبين لبلدهم وليس هؤلاء اللاهثين وراء الأطماع الشخصية ليس إلا . عندها فقط نستطيع القول باننا نبدأ بداية حقيقية لبناء بلدنا بناءا حقيقيا يستثمر في العلم والمعرفة ويعتمد على التنمية البشرية المواطنة .
والله من وراء القصد .       

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق