الجمعة، 29 يوليو 2011

هل من سياسة ثقافية واحدة ؟


تضع الدول خططها وسياساتها في مختلف المجالات وتضع الوسائل اللازمة والمناسبة لتحقيق أهدافها التي تبتغي الوصول إليها. ولا تقتصر الخطط والسياسات ، كما يتصور البعض ، على المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية أو العسكرية بل تمتد لتشمل السياسات الاجتماعية والتعليمية والتربوية والثقافية والصحية وكل المجالات الأخرى . وترتبط هذه السياسات ببعض بشكل مباشر أو غير مباشر لأنشاء دولة متكاملة الأعضاء والأطراف ، بمعنى انها لا تريد أن تكون قوية في جانب وضعيفة في الأخرى بل ، على العكس ، تحاول أن تستغل الجانب القوي لخدمة الجانب الأقل قوة لتقويته .
هذا ما نراه جليا في العديد من الدول المتقدمة ، فالولايات المتحدة الأمريكية مثلا ، بفضل قوتها العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية ، استطاعت أن تفرض على العالم إلى حد كبيرنمط ثقافي معين في عديد من المجالات الحياتية كالطعام والملبس إضافة ، وهذا مهم جدا ، إلى السينما الهيلودية التي اكتسحت العالم . ولم يأتي ذلك من فراغ ، فتحول أمريكا إلى قوة عظمى أتى بفضل جهود جبارة بذلت عبر عقود طويلة تميزت بالتناسق والجماعية في مختلف المجالات وليس لأن أمريكا تمتلك تاريخا وحضارة تعود إلى مئات أو الآف السنين تكتفي بالتفاخر بها ولا تتخذها قدوة في عملها ، بل هي كيان حديث يعرف بذلك الجميع أستطاع أن يبني نفسه من لا شيء بالعمل والمثابرة .
مناسبة حديثي هذا هو محاولة معرفة ما إذا كانت لدينا سياسة ثقافية واضحة ومحددة المعالم في الدولة نعرف إلى أين تسير وماذا تبتغي وما هي الأهداف المحددة التي تسعى للوصول إليها ؟ فالطبيعي أن تكون للدول سياسة ثقافية محددة تقوم بتنفيذها مؤسساتها المعنية المختلفة خاصة وزارة الثقافة التي يجب أن تكون الجهة الرسمية الأولى في ذلك  فضلا على الاشراف على تنفيذها من قبل مؤسسات أخرى تعنى بالعمل الثقافي . وبما إن الثقافة تعنى بهوية البلاد وتراثها وتاريخها وحضارتها فلا مجال في أن تقدم كل مؤسسة ما تريد أو تشتهي ، بل عليها أن تلتزم بالسياسة الثقافية للدولة بأفرعها المختلفة كالسينما والمسرح والموسيقى والغناء والرقص والحرف والفنون المختلفة والنمط المعيشي في المأكل والمشرب والملبس ... الخ حتى لو كانت تلك المؤسسات خاصة لا تتبع القطاع العام . كما يجب أن تحدد هذه المؤسسات طبيعة عملها وتخصصها فالذي يعمل في المسرح عليه بذلك وكذا الحال لمن يعمل في السينما أو الموسيقى أو الرسم أوغيرها .
لقد ظهرت عندنا في الفترة الأخيرة ظاهرة انشاء بعض المؤسسات تعمل في المجال الثقافي دون أن يكون لوزارة الثقافة إشراف عليها وصارت هذه المؤسسات تعمل بشكل منافس لوزارة الثقافة وبمنأى عنها وباستقلالية تامة ، بل لا تستغرب إن قلت إنها بدأت تسحب البساط من تحت أقدام الوزارة وتتدخل في تخصصاتها ولا تلتزم بالضرورة بالسياسة الثقافية للدولة إن وجدت . خذ على ذلك هيئة متاحف قطر كمثال التي لم تكن سوى إدارة ضمن إدارات المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث قبل أن تتحول إلى وزارة ، حيث قامت بتنظيم معرض في فرنسا عن التراث القطري وهذا ما يعتبر من صلب عمل ادارة التراث في وزارة الثقافية . ولم تكتفي الهيئة بذلك بل قام مديرها بالتصريح بأنه يريد أن يجعل من الهيئة رائدة في مجال الفنون والتراث ناهيك عن المتاحف على الرغم من أنه لم يقل لنا كيف وهو الذي فشل في تقديم شيء ما في المتاحف نفسها !!! . مثال آخر يتمثل في مؤسسة قطر التي أنشئت فرقة أوكسترا وأخرى فلهارمونية تجوب داخل البلاد وخارجها تقدم نفسها على أنها من قطر ! فهل لما تقدمه من موسيقى علاقة بالتراث الموسيقي القطري أو على الأقل العربي . أضف إلى ذلك المشروع الضخم الذي تقدمه مؤسسة قطر ، وهو مشروع حميد على كل ، تحت اسم دوحة لاند الذي يشمل على جانب ثقافي مهم فيه ، فهل لوزارة الثقافة دور فيه أو اشراف عليه ؟ ومن المؤسسات الثقافية الهامة الآن في البلاد الحي الثقافي الذي يعمل باستقلالية تامة عن وزارة الثقافة على ما اعتقد وكل ما يقوم به الحي الثقافي من برامج وفعاليات ثقافية لا يسشير فيه أحد !
لا أقول بالضرورة إن تلك المؤسسات تعمل ضد وزارة الثقافة أو ضد سياسات الدولة الثقافية ، بل على العكس يمكن أن تكون عامل إثراء وتنوع ، لأجل ذلك وجب ألتعاون مع وزارة الثقافة لأنها الجهة الأولى الراعية للسياسة الثقافية والقبول باشرافها عليها لأن الأمر يتعلق بسياسة ثقافية تضعها الدولة يفترض انها تحرص في المقام الأول على الحفاظ وإحياء الثقافة القطرية ، وهذا ما يلاحظ التقصير فيه لدى تلك المؤسسات !               


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق