الجمعة، 14 يناير 2011

يوم لا ينفع الندم ( ٢ من ٢ )

عندما رأيت كم هو الوضع مآساوي في المتاحف وليس لي فرصة في خدمة المجتمع وفقدان الأمل في حدوث تغييرات ايجابية توجهت مرة أخرى للمدارس لكن من جانب آخر . إذ عملت على تقديم عروض تتعلق ببرامج التعليم والتدريب لعلها تستطيع الإرتقاء بمستويات التعليم لدينا ، ليس فقط للطلاب وإنما أيضا للمدرسين على حد سواء . وعرضت كذلك كتب قصصية مع اسطوانات مدمجة تهدف إلى التشجيع على القراءة وتطوير مستويات اللغة الإنجليزية لدى الطلاب .
لما بدأت التعامل مع المدارس المستقلة من هذا الجانب ، لاحظت فورا التفاوت الكبير في التعامل ما بين مدرسة وأخرى ، وهذا ينطبق على ادارة المدرسة والمدرسين وطرق التعليم والمناهج المستخدمة .
لكني لا أخفيكم سرا بأن السمة البارزة لدى أغلب المدارس ، ولا أقول كلها ، هو التردد وعدم وضوح الرؤية والأهداف والقلق مما هو جديد قد يكون أعلى من المستويات الموجودة فيولد ذلك الخوف من الإنكشاف وبالتالي حرمان الطلاب من التطوير والإرتقاء . لذا فإنك لا تستطيع بسهولة تسويق ما لديك من برامج جديدة وكتب تعليمية لأن ، بكل بساطة ، مستويات الإدارة و المدرسين لا تساعد على تطبيقها في مناهج التعليم المتبعة أو حتى للإستخدام في مكتبة المدرسة لدواعي القراءة . العجيب في الأمر إنك لن تجد جوابا قاطعا بل مماطلات وتسويف لدفعك إلى التململ و من ثم التخلي عن ما تعتقده أنه يخدم المجتمع والطلاب . والأمر المؤسف أكثر هو دخول المادة في هكذا مسألة ، إذ يقول لك بعضهم بأن ما تعرضه غالي الثمن ، وهذه مجرد حجة واهية ، دون النظر في نوعية ما تقدمه مما يفيد كثيرا الطلبة أو من يقول لك بأن طلابنا لا يقرأون فبالتالي لا داعي لهدر الأموال في شراء كتب لا تقرأ ! ما هو دوركم إذن في المدارس ؟ أليس من ضمن عملكم تشجيع الطلبة على القراءة ؟! فأي تعليم هذا يتحدث بهكذا لغة ؟!
ما أثار انتباهي جليا أيضا ، تلك الهوة في مستويات المدرسين أنفسهم في أغلب المدارس إذ لم يتغيروا فعلا في المستوى بين ما كانوا عليه أيام الوزارة وأيامنا الآن في المدارس المستقلة ، وبقي التغيير فقط شكلي في اللبس . لكن لا يقع اللوم عليهم إذ هذه هي امكانياتهم منذ سنين و لا تستطيع تطويرها لدى من بلغ الخمسين أو الستين ! وما الفائدة من التطوير عندما نعلم بأن أغلبهم ينهى خدماتهم في مدة قصيرة . ما أثر ذلك إذن على الطلاب ؟ أعتقد إن كارثة ما قادمة لا محاله اذا لم نتدارك الأمر بسرعة .
أما إذا تحدثنا عن البيئة التي يعيش فيها الطالب الذي هو محور التعليم في المدارس المستقلة كما يقال ، فهي بالتأكيد ليست بيئة تعليم بل العكس هي طاردة للتعليم ، إبتداءا من حركة السير والنظام العام وإنتهاءا إلى الفوضى الإجتماعية بمختلف فئاتها في العمل أو في الحياة الخاصة والأسرية ! هل نعطي فعلا القدوة للطالب لبناء حياة انتاجية تفيده وتفيد مجتمعه ؟ هل نظهر له ونعلمه ما يمكن أن يستخدمه إيجابيا في حياته تعود عليه بالنفع ؟ ....الخ .
على الرغم من ما نسمعه من شكاوي وملاحظات وانتقادات حول النظام التعليمي العام القائم حاليا في البلاد على نظام المدارس المستقلة في مختلف وسائل الإعلام ، لم نرى ردا واضحا من قبل المسئولين في المجلس الأعلى للتعليم على كل هذه التساؤلات المتكررة ، بل وجدنا صمتا يثير الريبة والشك قد يعبر عن لا مبالاة  بما يقوله الآخرون  أو عن عجز على الرد وفي كلتا الحالتين فالمصيبة أعظم !
لذلك ، وفي وسط هذه الظروف الصعبة للحالة التعليمية في البلاد ، لماذا لا يعاد النظر في نظام المدارس المستقلة ؟ لعل النظام جيد لكن قد تكمن المشكلة في الكوادر والأدوات المستخدمة ! لماذا لا يصار إلى فرضية امكانية العودة إلى النظام القديم وإعادة إحياء وزارة التربية والتعليم لكن بدماء متخصصة لها خبرتها وتجربتها في المجال التعليمي ، بعيدا عن المجاملة والمحاباة التي لم تجر إلينا إلا التخلف والتراجع ؟
الأمر لا يحتمل التأخير لأن هذا يتعلق بمصير أبناءنا وبالأجيال القادمة التي لا يمكن التلاعب بها لكي لا تتعرض للضياع والإندثار ! لذل فأنني أقترح إنشاء لجنة وطنية لإصلاح التعليم تتكون من تربويين متخصصين مع من يمثلون الجانب  الإجتماعي والإقتصادي والصناعي في البلاد للتخطيط لاحتياجيات البلاد المهنية المستقبلية ووجوب تلبية التخصصات التعليمية لها ، لا أن يبقى العدد الأكبر في التعليم النظري على حساب التعليم التطبيقي . ولما لا تتكون اللجنة أيضا من أولياء أمور يؤخذ برأيهم للاصلاح كونهم الأقرب لأبناءهم ويمكنهم الإفاضة عن ميولهم وابداعاتهم .
الأمر يا سادة يتعلق بأبناءنا وبأجيالنا التي سيعتمد عليها مجتمعنا ، ولم يعد لدينا مجال هنا لإستخدامهم كحقل تجارب  تضيع علينا أكثر من جيل كما يحدث الآن ، وعلينا التحرك السريع لإصلاح التعليم الذي بدونه لن تنفعنا كل الإستثمارات الخارجية أو الداخلية ولن تنفعنا الأبراج الشاهقة أو حتى إستضافة كأس العالم العام ٢٠٢٢ ، لأنك حينها لن ترى قطريين إذ سيذوبون وسط محيط من الأجانب الذين يستمرون في التدفق على البلاد ويعتمد عليهم في كل شيء على حساب القطريين  ! ويومها يا سادة لن ينفع الندم .
والله من وراء القصد ،،،
حسن علي الأنصاري


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق