الاثنين، 9 يناير 2012

خدعوك حين قالوا لك ..... هذه متاحفكم ! ( 1 من 2 )



كانت المتاحف في مختلف دول العالم مجرد أماكن لعرض أنواع متنوعة من المقتنيات كالآثار والعملات واللوحات الفنية والأدوات التي ينظر اليها على أنها تمثل دولة ما أو ثقافة ما أو حضارة ما أو تاريخ ما ...الخ . ويمكن أن تكون هذه المقتنيات من القطع الثمينة القديمة أو الحديثة قد يربطها الأزمنة والأمكنة أو يربطها التخصصية كالفنون والحرف وما شابه . وكان تركيز العمل في المتاحف ينصب على حفظ هذه المقتنيات نظرا لأهميتها التاريخية أو غيرها في المتاحف بهدف الحفظ فقط دون النظر إلى الجوانب الهامة المتعلقة ليس فقط بحفظ المقتنيات في المتاحف لكن، الأهم من ذلك حفظها في ذاكرة العامة ودفعهم للأرتباط بها .

لكن في السنوات الأربعين الأخيرة  أو اكثر قليلا ، ولأن المتاحف كانت تعاني من العزلة والهجران مما جعلها مغطاة بطبقة كثيفة من الغبار ، تطور العمل المتحفي ليتجه بشكل بارز إلى الأهتمام بالجمهور وتوفير كل السبل والإمكانات لجذبه إلى المتاحف . فعملت المتاحف على أن تكون عامل حي ومهم في الحياة الثقافية في مجتمعاتها ، ولأجل ذلك قامت بالتعاون والعمل الوثيق مع المؤسسات الثقافية والتعليمية المختلفة كالمدارس والجامعات لتكوين جبهة كاملة متكاملة في العمل الثقافي . فبدأ تثقيف وتوعية الناس بأهمية المتاحف في الحفاظ على الهوية الوطنية والإرث الإنساني لمجتمعاتها بتنظيم مختلف الأنشطة والفعاليات والمناسبات المباشرة والغير مباشرة في التعامل مع الجمهور . ودخلت المتاحف في المدارس من خلال المناهج الدراسية والأنشطة المختلفة الصفية واللاصفية منها ، وكذلك لدى فئات المجتمعات الأخرى . وكان التركيز في كل ذلك على مجتمعات المتاحف الداخلية نفسها إذ من الطبيعي أن يصب الإهتمام على الداخل لتكوين قاعدة جماهيرية عريضة تكون محبة للمتاحف تتلقى التربية المناسبة عليها وتقوم بدورها بتربية من يأتي بعدها على أهمية وجود المتاحف في المجتمعات لأن متاحف اليوم أصبح دورها التعليمي جوهري وأساسي للمحافظة على وجودها واستمراريتها . ولم يكن هذا التحول في مفهوم المتاحف وليد صدفة أو عمل ارتجالي ، بل قامت بوضع خطط وأسس وبرامج كلفت الكثير من الوقت والجهد والمال لتحقيق الوصول إلى أهدافها ، وكان من ضمن ذلك تأهيل كوادر محلية ووطنية ملمة بالهوية والثقافة الوطنية قادرة على التفاهم والتواصل والتعامل مع الجمهور المحلي قبل أن يكون قادرا على التعامل مع الجمهور الخارجي . لذا تجد اليوم في مختلف المتاحف العالمية كادر وطني ، كل في دولته ، يدير متاحفه بنفسه ويضفي الطابع الوطني عليها . وتجد معظم الفعاليات والأنشطة التي تنظمها هذه المتاحف من معارض وورش عمل ومحاضرات وندوات تنبع من مجتمعاتها وإنجازاتها أولا ومن ثم من غيرها وموجهة أساسا للجمهور المحلي وبلغته الوطنية وبالتالي يستفيد المواطنون من ما توفره لهم دولهم من امكانات لتنمية قدراتهم المعرفية والثقافية والعلمية لأنه من الطبيعي أن توجه منهم وإليهم قبل أن توجه لغيرهم . وهكذا نجحت المتاحف في شغل حيز كبير من الجانب الثقافي لدولها فتراها بارزه وحاضرة بقوة في مختلف الفعاليات والأنشطة وقد إستطاع الكثير منها الوصول للعالمية وأصبحت معالم بارزة لدولها وصار إسمها يتداول على كل الألسنة في مختلف بقاع الأرض . وكأمثلة على ذلك لا الحصر متحف اللوفر الفرنسي ومتحف برلين الالماني ومتاحف فلورنس الأيطالية وسميث سونيان الأمريكية على الرغم من حداثة البلد ولا ننسى المتحف المصري البارز .... الخ علما بأن هذه المتاحف لم تكن لتصل إلى العالمية لو أنها لم تهتم أولا بمجتمعاتها المحلية وتقوم بتأهيل كوادرها الوطنية التي إستطاعت بجهودها أن توصلها للعالمية .
لقد كان متحف قطر الوطني معلما بارزا في المجتمع القطري ، استطاع أن يفجرثورة ثقافية على المستوى الإقليمي عندما أفتتح في العام 1975 ، وصارت تلك الثورة ذات صدى أوسع حينما أفتتح القسم البحري بالأكواريوم الرائع لاحقا والذي كان فعلا نتاج فكر محلي غير مسبوق حرص على أن يجمع الجانب البحري من الحياة القطرية بالجانب البري في متحف واحد . فكانت النتيجة أكثر من باهرة تمكنت من جذب الجمهور المحلي بفئاته المختلفة بشكل منتظم وليس لمرة واحدة أو إثنتان لا تتكرر . وقد حفل المتحف آنذاك بالعديد من الأنشطة والفعاليات والمعارض ، الموجهة للداخل قبل الخارج ، وبلغته العربية الوطنية جعلت من المتحف معلما بارزا في الدولة ، ليس فقط للزيارة والإستمتاع وإنما أيضا للبحث والتعلم ، يرتاده الكثيرين من مواطنين ومقيمين وزائرين وضيوف للدولة بفضل جهود العاملين في المتحف ومن وراءهم في إدارة المتاحف والآثار التابعة للمجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث وإدارة السياحة والآثار التابعة لوزارة الإعلام قبل ذلك ، وكان جلهم من الأخوة القطريين الذين أبدعوا في مجال عملهم إضافة إلى إخواننا العرب . وقد إستمر المتحف في أنشطته إلى أن أقفل لأسباب غير معلومة بدقة في العام 2002 فشهد العمل المتحفي بعد ذلك تحولا أخذه إلى مسار لم يكن في حسبان أحد .....
( وللحديث بقية )    
    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق