الجمعة، 12 نوفمبر 2010

تراثنا بأيديهم

هذه المقالة نشرت في صفحة الإخبارية يوم ٧ ديسمبر ٢٠٠٩


أجد نفسي مضطرا مرة أخرى للحديث عن مدى تغلغل وتوسع الوجود الأجنبي في مجتمعنا لما لذلك من وضع يؤثر بشكل مباشر علينا وعلى أولادنا ومستقبلهم ، إذ لم يعد الأمر قاصرا على شغل الوظائف المهنية بل يتجاوزه إلى المساس بحياتنا وتاريخنا وتراثنا .
لقد تحدثت في مقالي السابق عن مدى سيطرة الأجنبي على متحف الفن الإسلامي وكيف إن ذلك أدى إلى فشل المتحف في ابراز نفسه على الساحة الداخلية بما يفيد المجتمع بمختلف فئاته بعد مرور سنة كاملة على افتتاحه . لقد ربط الأجنبي نفسه بهذا المتحف بالتكتم وتهميش الآخرين ، خاصة القطريين منهم ، ليضمن استمراره في تلك الوظيفة ذات المزايا العالية التي لم أصلا يحلم بها في بلاده ، وبلغ حد سيطرته على المتحف إلى إغلاقه يوم ال ٢٥ من ديسمبر الماضي أي يوم الميلاد أو كما يقال يوم الكريسمس . ولم يكن لهذا الأجنبي إهتمامات حقيقية في ابراز المتحف على المستوى المحلي ، والأمر مستمر كذلك ، حتى في وجود تصريحات نارية بمناسبة إفتتاحه بأنه سيزور المتحف أكثر من ٢ مليون زائر من مختلف أنحاء العالم . يا ترى متى أتى هؤلاء الزوار ؟ أنا شخصيا لم ألتقيهم !!! وهنا أتمنى أن يصدر متحف الفن الإسلامي تقريرا عن نتائج أعماله يتضمن عدد الزوار الحقيقي بمناسبة مرور سنة على افتتاحه .
الحال يا سادة لا يختلف الآن في متحف قطر الوطني المغلق منذ العام ٢٠٠٢ ، فهذا المتحف بعد أن كان شعلة من النشاط والحيوية أصبح يغط في سبات عميق لا تظهر له أية علامات ايقاظ في الأفق .
أفتتح متحف قطر الوطني في العام ١٩٧٥ ليشكل ثورة في عالم المتاحف على مستوى دول المنطقة ، وبقي حديث الساعة لفترة طويلة من الزمن وقبلة للزوار والباحثين على المستوى المحلي والإقليمي والدولي لما كان يمثله عن تاريخ وتراث قطر ، إضافة إلى كونه المتحف الأول في المنطقة الذي يحتوي على قسم بحري فريد من نوعه يشمل اكواريوم بمختلف أنواع الأسماك في مياه الخليج وبحيرة اصطناعية تحوي أنواع مختلفة من السفن التجارية وسفن الصيد . وقد كتبت العديد من المقالات والتقارير عن هذا المتحف ، وكلها محفوظة ، بالإضافة إلى العديد من الأبحاث والكتب والدراسات .
لعب القطريون الدور الأبرز في انشاء متحف قطر الوطنيوإدارته لسنوات طويلة ، وحققوا نسبة كبيرة من النجاح في إبرازه في الحياة الإجتماعية والتعليمية لدى العامة من خلال الفعاليات المختلفة وورش العمل والزيارات الميدانية وغيرها إلى أن تم اغلاقه في سنة ٢٠٠٢ لدواعي الصيانة كما قيل . ولا يمكن أن يلام القائمين على المتحف في قضية الإغلاق في مطلق الأحوال .
في سنة ٢٠٠٦ كشف عن مشروع لبناء متحف وطني جديد ، وتمنى الناس حينها أن يكون متحف حديث يساير المواصفات الحديثة للمتاحف وأن يجهز ويفتتح في سنة ٢٠١٠ بمناسبة كون الدوحة عاصمة الثقافة العربية في هذه السنة . لكن المشروع تعثر كغيره من المشاريع على المستوى الوطني وباءت كل محاولات الموظفين المختصين في إعادة إحياءه بالفشل إذ لم يكن أحد يدر لهم بال أو إهتمام .
على الرغم من أن المتحف الوطني لا يزال مغلقا ، رأينا فجأة ومن دون أي مقدمات ، تعيين مديرة أجنبية لمتحف قطر الوطني وسط ذهول ودهشة الجميع . وبدأنا نسمع عن إحياء مشروع جديد آخر لبناء المتحف ، لكن بأيدي الأجانب وليس القطريين . هل يا ترى صار الأجنبي ، بعد أن تغلغل في الوظائف العامة ، ملما أيضا بالتاريخ والتراث القطري أكثر من القطري  صاحب الخبرة والباع الطويل في مجال عمله ليوكل إليه مثل هذا الأمر ممثل هذا المنصب ؟ هل أصبح هذا القطري الذي بنى وأدار متحف قطر الوطني طوال سنين لا يصلح ؟ ألا يوجد من الشباب من يستطيع الإستمرار ؟ كيف ترون على رأس أهم مؤسسة تمثل التاريخ والتراث القطري شخص أجنبي ؟ كيف تتخيلون هذه المرأة الأجنبية تمثل الدولة في اجتماعات إقليمية ودولية عن تاريخنا وتراثنا ؟ ألن يثير ذلك سخرية الآخرين والإستهزاء بنا ؟ ألا ترون في الأمر يا جماعة مبالغة فاضحة ؟
لم تتأخر هذه المرأة ، عند استلامها منصبها الجديد ، في تعيين زميلة لها من نفس جنسيتها كمديرة لمشروع متحف قطر الوطني الجديد . وتم تشكيل لجنة للإشراف على المشروع والإجتماع بالمهندس صاحب التصاميم لوضع التصورات الخاصة بالمباني والتقسيمات والتوزيعات المعمارية والتاريخية والتراثية المتعلقة بقطر ! وبدأت الرحلات والسفر وصرف البدلات والمهمات في تنقلات ومقابلات مختلفة مع الشركات وغيرها والتحدث بإسم مشروع متحف قطر الوطني الجديد . يتم كل ذلك في غياب قطري شبه تام إن لم نقل تام . هل نسينا يا جماعة أساتذتنا الأفاضل المتخصصون في التاريخ والتراث القطري  وهم كلهم موجودون أحياء يرزقون أطال الله في أعمارهم ؟ هل نسينا من قام على إنشاء متحف قطر الوطني الأصل ، ومعظمهم ولله الحمد موجود ؟ أيشك أحد في ولائهم وإخلاصهم للدولة ؟ أيعتقد أحد إنهم سيقصرون لو طلب منهم خدمة ما للدولة ؟ رعما عن كل شيء يقوم هؤلاء الأجانب باللجوء إلى هؤلاء القطريين ، الذين يعز عليهم أن أن يقدم هؤلاء الأجانب وجها مشوها عن تاريخ وتراث الدولة ، فتجدهم منساقين تلقائيا الى تقديم المعلومات إليهم ، لحبهم وإخلاصهم لبلدهم على الرغم من معاناتهم من التجاهل والتهميش والإقصاء !  وهنا أطرح السؤال التالي : ماذا يقدم هؤلاء الأجانب من جديد لمتحف قطر الوطني أو غيره ؟ ماذا جلبوا معهم من خبرات يمكن الإستفادة منها ؟ وإذا كان الأمر كذلك ، لماذا لا يشارك القطريون معهم ؟ ماذا يعرفون عن التاريخ والتراث القطري لا نعرفه نحن ؟
أيعقل يا جماعة أن يصل بنا الحد إلى تولية الأجنبي كل شيء ي حياتنا ليدخل حتى في حياتنا وثقافتنا وتراثنا ؟ ماذا يتبقى لنا إذن ؟ أين النخوة والكرامة ؟ 
أخيرا ، يقول البعض إن متحف قطر الوطني الجديد سيفتح أبوابه للجمهور  عام ٢٠١٣ ، وأنا أقول إن ذلك سيبقى في علم الغيب طالما من يقوم عليه سيحاول قدر الإمكان إطالة أمده خدمة لمصالحه الخاصة ، ولما لا طالما لا رقيب ولا حسيب ؟!
حسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله .


حسن علي الأنصاري

هناك تعليق واحد: