الخميس، 11 نوفمبر 2010

متحف الفن الإسلامي ...... عام مضى

هذه المقالة نشرت في صفحة الإخبارية يوم ٢٩ نوفمبر ٢٠٠٩


مر الآن عام كامل على افتتاح متحف الفن الإسلامي الواقع ، لمن لا يعرف ، على الكورنيش مقابل مبنى وزارة البلدية والتخطيط العمراني . وكنت قبل افتتاح المتحف العام الماضي ، قد نشرت مقالا في جريدة الوطن بعنوان " متاحف أم مخازن " ادعو فيه إلى ضرورة وجود خطة تعليمية وثقافية واضحة وأساسية في ادارة المتحف لكي لا يتحول الى مخزن آخر كما حدث ، مع الأسف الشديد ، مع المتاحف الأخرى إلى يومنا هذا كمتحف قطر الوطني ومتحف السلاح ومتحف المستشرقين ... الخ ، مما يعد وضع مخجل ومحزن لمتاحفنا القطرية .


كان الهدف من دعوتي تلك هو أن يكون للمتحف ، كمؤسسة إجتماعية وثقافية وتعليمية حسب التعريف الحديث للمتاحف ، دور ووجود بارز في الحياة الإجتماعية للأفراد والمؤسسات ، يتواصل معهم ويكون علاقة مباشرة بهم يستطيع من خلالها تغيير المفهوم التقليدي السائد لدى الجمهور عن المتاحف كأماكن لحفظ المقتنيات فقط وسعيا لتحقيق على الأقل جزء من الأهداف المعلنة الذي أنشىء من أجلها .
لذلك يحق لنا أن نتسأل عن ما قدمه المتحف خلال عام كامل منذ افتتاحه للمجتمع وافراده المختلفين ، خاصة وإن هذا المشروع الضخم قد كلف الدولة مئات الملايين من الدولارات .
لا أريد أن اكون متشائما لكن الصورة ليست بالتأكيد بيضاوية . فقد افتتح هذا المتحف وسط هالة اعلامية ضخمة ، وحظي حفل الأفتتاح بعبارات الثناء والمديح وكأنه حقق النجاح للمتحف . وتم التركيز على المبنى الضخم بهندسته المعمارية الفريدة وحصوله على العديد من الجوائز ، ولا غرر في ذلك ، دون الإلتفات بشكل جدي إلى كيفية سير وادارة المتحف بعملياته المختلفة من حفظ وترميم وعرض وتعليم وفعاليات وخدمات .... الخ . ولم يشر أحد إلى طبيعة فريق العمل المكلف بإدارة المتحف ومدى أهليته وما هي خططه للإرتقاء بالمتحف وتقديمه إلى الآخرين . فهذا حديث لم يكن ربما ذو أهمية في حينه وسط الشحن الإعلامي لإفتتاح المتحف الذي أريد له أن يكون ناجحا دون منغصات ، علما بأن التغطية الإعلامية عن المتحف لا تزال تتحدث في معظمها عن بناءه وليس جوهره ، وهذا ينطبق على الجوائز التي حصل عليها ، ما يعد ربما أمرا طبيعيا لأن المتحف لم يقدم غير ذلك ليستحق جائزة عليها .
لا أحد يجادلني اليوم في أن المتحف أصبح منذ فترة ليست بالقصيرة كقرية خاوية على عروشها . فوجود الزوار ، الذين يفترض إن المتحف أنشىء وافتتح من أجلهم ، آصبحوا عملة نادرة ، وقد لا ترى إلا بعض الموظفين وافراد الأمن في بعض أوقات اليوم . هذه ليست مبالغة بل حقيقة . لأنه وببساطة ، لم يستطع المتحف ولم يعرف مع الأسف التواصل مع المجتمع وافراده . عندما تسأل بعض الأشخاص عن متحف الفن الإسلامي ، تلقى الإجابة بأنهم لا يعرفون شيئا عنه ولم يفكروا قط في زيارته ، مما يعني وجود خلل كبير في ادارة المتحف ويؤكد أهمية وجود خطة تعليمية وثقافية لجذب الجمهور والتي هي غائبة مع الأسف عن القائمين على المتحف .
فالمتحف لم يقدم برامج وفعاليات حقيقية خلال عامه الأول تتعلق مباشرة أو غير مباشرة بالعمل المتحفي وخاصة تلك المتعلقة بالفن الإسلامي . وما تم تقديمه من فعاليات قليلة وبسيطة لا علاقة لها بطبيعة عمل المتحف ، وربما تم ترتيبها من قبل آخرين استخدموا فيها المتحف كمكان فقط لتلك الفعاليات ! أضف إلى إن تلك الفعاليات لم تكن مفتوحة للجمهور وتمت خارج أوقات دوام المتحف ، بينما يفترض أن تكون الفعاليات موجهة لتشجيع الجمهور على زيارة المتحف .
لم تتمكن ادارة المتحف ، ومن خلفها ادارة هيئة متاحف قطر ، من حفر مكان لها على الخارطة الإجتماعية . وبقي المتحف منعزلا عن المؤسسات التعليمية والثقافية والإجتماعية المحلية الأخرى على الرغم من الميزانيات المالية المفتوحة له . قد يعد هذا أمر طبيعي في غياب خطة موجهة للداخل . لكن كيف لنا أن نضع خطة للإرتقاء بالداخل وسط سيطرة أجنبية مطلقة على ادارة المتحف لا تعرف وربما لا تريد التعامل مع الداخل ، أي المجتمع القطري بفئاته المختلفة . مما يثير عندي التساؤل عن وجود أصلا رغبة حقيقية في التعامل مع الداخل والإهتمام به ! فكلنا يعلم عن هذه الرغبة الجامحة في ابراز اسم الدولة والتحدث عنها على كافة الأصعدة وفي مختلف المحافل على المستوى الخارجي . لكن هل يجوز لنا السعي وراء ذلك دون أن تكون لدينا قاعدة داخلية متينة نستند عليها ونفاخر بها ؟ فمتحف الفن الإسلامي ، من بين مؤسسات أخرى ، لا يملك أي خطة لتدريب وتأهيل كوادر وطنية لإدارته وتشغيله ، ولا أعتقد حتى أنه ينوي ذلك ، على الرغم من إن هذا المشروع كان قد طرح قبل ثلاثة عشرة عاما ! وكيف تريدون أن يضع خطة لذلك طالما الأجنبي هو المسيطر في وجود ما يسمى بمسئولين قطريين في هيئة متاحف قطر أقل ما يمكن أن يقال عنهم إنهم بعيدون كل البعد عن العمل المتحفي والآثاري وجاهلين بأبسط قواعد عمله .
لا اعتراض على وجود بعض الخبرات الأجنبية ، فنحن بحاجة لها ، لكنها يجب أن تكون مقننة غير منفلته ، ولا تملك صلاحيات إصدار القرارات بل يجب أن يكون دورها فني واستشاري ، يؤخذ بها أو لا . ولا اعتراض على سعي الدولة إلى ابراز نفسها فهذا حق للأمم ، لكن يجب أن يكون ذلك بأيدي أبناءها لا بأيدي غيرهم ، اذ كيف يمكن أن يمثل الدولة ، وهنا اعني المتاحف كمثال ، أشخاص أجانب . مما يفقد الدولة سمعتها لدى الآخرين ويزعزع مكانتها .
إنني أعتقد إن الثقافة عموما لدينا لا تحظى بالأولوية ، لأن المشاكل المزمنة التي تعاني منها منذ أمد ليس بالقصير لم تدفع الدولة بعد إلى اتخاذ خطوات لتغيير واقعها المؤسف والمحزن . ولا أدري ماذا تنتظر الدولة ، خاصة اذا علمنا إن الدوحة هي عاصمة الثقافة العربية لسنة ٢٠١٠ مما يضع إسم الدولة وسمعتها على المحك . وبالعودة إلى متحفنا الإسلامي ، سيكون من المحزن أن يتحول هذا الصرح العظيم إلى مجرد بناء من اسمنت وطابوق وحديد ، لا دور إجتماعي وثقافي وتعليمي له ، حاله حال الأبراج التي نراها في الخليج الغربي !


حسن علي الأنصاري 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق