الخميس، 11 نوفمبر 2010

ماذا يراد بنا ؟

هذه مقالة نشرت في صفحة الإخبارية بتاريخ ٢٢ نوفمبر ٢٠٠٩


يكثر الحديث عن مدى تغلغل الأجانب في مجتمعنا وتأثيرهم وسيطرتهم على قطاعات عديدة منه ، وذلك في وسائل الإعلام أو في المجالس وغيرها . وأصبح هذا الموضوع الشغل الشاغل لدى أغلب القطريين ويقلق راحتهم لما في ذلك من نتائج سلبية كارثية خاصة فيما يتعلق بالجوانب الثقافية التقليدية الخاصة بمجتمعنا القطري المعروف عنه بالمحافظة والتدين . ويعد هذا حقا لهم في المحافظة على هوية البلاد وتراثه وثقافته ، حالهم حال غيرهم من المجتمعات المختلفة ومنها مجتمعات غير تقليدية منفتحة ومتقدمة اقتصاديا وصناعيا .


التأثير الأكبر الملاحظ للأجانب يتمثل في سوق العمل بقطاعاته المختلفة وتأثيره بالتالي على القطاعات الإجتماعية الأخرى . نجد تكاثر الأجانب في سوق العمل مثل تكاثر الأرانب ، اذ إنهم في فترة زمنية قصيرة تضاعف عددهم عدة مرات . وتواجد الأجانب في البلاد شمل الجيد منهم ممن تستطيع الدولة الإستفادة فعلا منهم ، وهم الأقلية مع الأسف ، وشمل هؤلاء الأغلبية الذين لفظتهم بلادهم أو أكل عليهم الدهر وشرب .
لكننا لو عدنا للوراء قليلا في محاولة للتعرف على أسباب هذه المشكلة وبروزها ، فلا اعتقد إننا سنجهد كثيرا في معرفتها . فوجود قطريين في وظائف ومناصب لا يستحقونها ، تم تعيينهم فيها بعلاقات شخصية ومحسوبية وواسطة بعيدة كل البعد عن المعايير المهنية ، هي أساس البلاء . اذ إن هؤلاء يقرون في أنفسهم إنهم ذوو عدم قدرة واختصاص وكفاءة لتولي تلك الوظائف والمناصب ، مما يفقدهم الثقة في أنفسهم ، فيعملون على إحاطة أنفسهم بالمعارف والأصدقاء والأهل في المؤسسات التي هم على رأسها ، في محاولة لستر عجزهم وضعفهم لكي لا ينكشفوا أمام الآخرين . ولو اكتفوا بذلك لقلنا إنها نصف مصيبة ، لكنهم عملوا على محاربة وإقصاء وتهميش كل كفاءة قطرية متميزة قادرة على إدارة العمل وسيره للأسباب سالفة الذكر .
وبما إن العمل لم يستطع أن يسير بشكله الطبيعي كما هو مفروض أن يكون ، كنتيجة طبيعية لما قام به هؤلاء من محاباة لمعارفهم ومحاربتهم وإقصاءهم الكفاءات القطرية ، كان اللجوء للأجانب لتسيير العمل ظنا منهم إنهم سيمتثلون لأوامرهم وتعليماتهم دون أدنى معارضة ، ولو كان ذلك على حساب القانون . وصارت الكفاءات القطرية أما مركونة أو محالة إالى البند المركزي واعتبارهم عمالة فائضة !!!
لكن ، مع إزدياد أعداد الأجانب ، انفلتت الإمور من أيدي هؤلاء المسئولين ، وأصبح الأجنبي هو المتحكم في إدارة العمل وهو الذي يتخذ القرارات ويعين من يشاء من ربعه الفاشلين مثله الذين يجلبهم من بلاده . وأصبح طبيعي جدا أن يستحوذ هؤلاء الأجانب على المهمات الرسمية إالى الخارج وتمثيل البلاد في المحافل المختلفة والتحدث بإسمها ، بينما تتنقل الكفاءات القطرية المتميزة في مهمات رسمية من قهوة إلى أخرى في المراكز التجارية المختلفة في الدوحة . وإن كنتم لا تصدقونني ، فأنني أدعوكم لزيارة تلك المراكز التجارية خاصة في الفترة الصباحية . هل يعقل يا جماعة أن يمثل البلد شخص لا يتحدث لغتها ؟!!! وا أسفاه على كل هذه الطاقات المفعمة بالحيوية والنشاط المهدرة التي تذهب هباءا منثورا .
في هكذا وضع كنت أتسأل ، لماذا تبذل الدولة اذن جهودا وتصرف أموالا على التعليم وبناء المدارس وترسل العديد من الطلبة إلى الخارج في منح دراسية للتحصيل العلمي والحصول على شهادات مرموقة طالما إن الكفاءات القطرية تلقى هذا المصير المشئوم حال دخولها سوق العمل ، وطالما استمرت تلك المعايير الخاطئة  البعيدة كل البعد عن المعايير المهنية في التعيين والترقية والمكافأة ؟!!! بيد إن البعض قد فطن على ما يبدو لهذه النقطة فبدأت المشاكل تلاحق القطري منذ طفولته ، أي منذ دخوله المدرسة . فالمشاكل المتعلقة بالتعليم ومدى انحداره أصبحت أيضا حديث الساعة ، وتلك قصة أخرى تحتاج لصفحات .
إن دول مثل اليابان والمانيا وايطاليا أو كوريا لم تنهض من جديد بعد خسارتها وانهيارها في الحرب العالمية الثانية بأيدي الأجانب ، بل قامت من جديد بأيدي أبناءها وآصبحت في مصاف الدول المتقدمة عالميا إقتصاديا وصناعيا . ولماذا التحدث عن هؤلاء ، خذ مثلا دولا قريبة منا كالهند وايران وتركيا وأنظر إالى ما وصلوا إليه من تقدم في المجالات الصناعية والتقنية حتى صار يعمل لهم حساب ، وتأثيرهم السياسي الإقليمي والدولي لم يعد يستهان به . فهل يا ترى تم ذلك بأيدي الأجانب أم بأيدي أبناءها ؟
لقد قمت مؤخرا بزيارة مبنى وزارة التربية والتعليم الرئيسي الكائن في الخليج الغربي ، والذي أصبح تابعا للمجلس الأعلى للتعليم ، لعمل ما . وعندما رأيت من بالمكاتب من أصحاب الشعر الأشقر والعيون الزرق ، بعد أن كانت عامرة بالقطريين وإخواننا العرب ، لا تتخيلوا مدى الغصة التي شعرت بها ، وقلت في نفسي ؛ هل أصبح هؤلاء من يتحكم في تعليم أبناءنا ويقرر لهم ويشرف عليهم ؟!!!
يا ترى ماذا يراد بنا ؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله .


حسن علي الأنصاري

هناك تعليقان (2):

  1. لمست الجرح ونظرت للواقع اجدت واصبت


    تحياتي

    ردحذف
  2. مقال متميز ولمست الجرح اخوي حسن

    ردحذف