الأحد، 14 نوفمبر 2010

متاحفنا وا أسفاه !

هذه مقاله لم توافق صحيفتان محليتان على نشرها !


تمثل المتاحف واجهات حضارية وثقافية هامة لدولها تعبر عن مكنوناتها وإبداعاتها ، خاصة بعد أن تغير مفهوم المتاحف وتغيرت ألنظرة إليها في السنوات الأربعين الأخيرة ، وذلك نتيجة لمجهودات جبارة بذلها أصحاب الإختصاص في شؤون المتاحف . فبعد أن كان يرى للمتاحف على إنها إماكن لحفظ وتخزين المقتنيات ، أصبحت مراكز إشعاع ثقافي هامة مليئة بالحيوية والنشاط . ولم يعد يقتصر دورها على إقتناء الأشياء وحفظها وعرضها باسلوب يخلو من أية برامج أو أنشطة كما كان في السابق ، بل تغير ليشمل تنظيم البرامج التعليمية والثقافية اللازمة ، سواء داخل المتاحف أو خارجها ، لجذب الجمهور بفئاته الإجتماعية المختلفة والتواصل معه بشكل دائم ومستمر سعيا لإيصال رسالة المتحف الحضارية والتاريخية والتراثية والعلمية ، وابراز الإنجازات الإنسانية الواسعة بمختلف مجالاتها .
ولكي تكون هذه المتاحف قادرة على إيصال رسالتها الإنسانية ، عملت على تأهيل وتدريب كوادر متخصصة من مواطنيها ، قادرة على التعامل والتفاعل مع محيطها ومجتمعاتها بفئاتها المختلفة ، وقادرة على معرفة طبيعة الجمهور وفهم حاجاته ورغباته والعمل على تلبيتها ، كوادر تأتي من نفس المجتمعات التابعة لها المتاحف وتنتمي إليها .
عندما أفتتح متحف الفن الإسلامي في قطر في نوفمبر ٢٠٠٨ ، سارعت وسائل الإعلام المحلية إلى تقديم الحدث على أنه عالمي بارز يمثل إنجاز كبير للدولة ، ولا شك في ذلك ، وقدمت المركز التعليمي التابع للمتحف على أنه سيجذب الباحثين والمهتمين بالفن الإسلامي من مختلف دول العالم ، دون أن تتطرق مع الأسف إلى الجانب الإداري والتشغيلي للمتحف لما بعد الإفتتاح . ولم تطرح تساؤلا واحدا عن هؤلاء العاملين في المتحف ، من هم وما هيتهم ؟
لا أريد الخوض كثيرا في وضع متحف الفن الإسلامي فهذا لا يخفى على أحد . لكنني لا أنكر في إن الدولة بذلت جهودا لإحياء المتاحف وخصصت ميزانية ضخمة للمتحف الإسلامي والمتاحف الأخرى القادمة . وفصلت ادارة المتاحف والآثار عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث آنذاك وأنشأت منها هيئة مستقلة بإسم هيئة متاحف قطر تعنى بالمتاحف والآثار . مع ذلك ، وعلى الرغم من تلك الجهود من قبل الدولة وتخصيص الأموال الطائلة ، لا نلاحظ تغييرا في واقع المتاحف ولا نرى نتائج ايجابية ملموسة تعكس تطورا في المفهوم والنظرة التقليدية للمتاحف لدى الجمهور والمجتمع ، وقد لا نبالغ إذا قلنا إننا ، على عكس ذلك ، نلاحظ تراجعا في وضع المتاحف !
ينحصر التركيز عندنا مع الأسف على بناء المتاحف بأحدث الأشكال الهندسية والمعمارية ، وينحصر في إقتناء كل ما هو ثمين ونفيس ونادر ليعرض في هذه المتاحف ، ولا بأس في ذلك ، وتقدم مشاريع المتاحف المستقبلية في نفس السياق وعلى نفس الوتيرة دون الألتفات أولا إلى العمل على بناء الثقافة عموما وبناء ثقافة المتاحف خصوصا . فكل مشاريع المتاحف السابقة والحالية والمستقبلية تخلو من أية برامج وخطط لجذب الجمهور إليها ، مما يمثل خللا إستراتيجيا يجب أن يلتفت إليه . فلا جدوى من بناء متاحف ضخمة على أحدث طراز معماري وتقني ، وتملك مقتنيات ثمينة ونادرة لتبقى خالية لا يزورها إلا القليل لمرات محدودة ، مما يبقي المفهوم التقليدي للمتاحف المتمثل في التخزين دون تغيير . ولن أجد أفضل من متحف الفن الإسلامي كمثال حي على ما أقول ، ما يجعلني أن أعتقد بأن هذا الوضع الشاذ يجب أن يدفعنا إلى التفكير جديا في وضع خطط وبرامج وبذل جهود حثيثة على مستوى كافة قطاعات المجتمع لبناء ثقافة أصيلة قبل بناء المتاحف أو غيرها لدى الناس والتي ستتطلب منا سنوات من الجهد والعمل لتؤتي ثمارها .
لكن كيف سنقوم بكل هذه الجهود وهذا العمل لبناء ثقافة عامة وبناء ثقافة متاحف متينة وصلبة والمتاحف لم تهتم أبدا بتدريب وتأهيل كوادر قطرية متخصصة في شؤونها ، قادرة على التعامل والتفاعل مع المجتمع والجمهور كونها تأتي منهم وتنتمي إليهم . والمؤسف بل والمحزن إن المتاحف لا تمتلك إلى الآن أي خطط أو برامج حالية أو مستقبلية لتدريب وتأهيل كوادر وطنية في المجال المتحفي على الرغم من كل مشاريع بناء المتاحف الجديدة التي أعلن عنها في وسائل الإعلام المختلفة . لكنها ، على عكس ذلك ، تستمر وا أسفاه في الإعتماد الكلي على جيش من الموظفين الأجانب برواتب خيالية جدا إلى أجل غير مسمى لإدارة المتاحف  وتتمعن في إقصاء وتهميش الكفاءات القطرية المتميزة في هذا المجال والتي أثبتت جدارتها وقدرتها عبر السنين ، وتشير إليهم على إنهم عمالة فائضة لا حاجة لها !!! مما يعتبر معيبا ونقصا في فنوننا وثقافتنا .
ولكي لا يقال بأنني متحامل أو أبتدع ما هو غير صحيح ، هذه هي الأمثلة على مدى اعتماد متاحف قطر على الأجانب . فمتحف الفن الإسلامي ، الوحيد المفتوح للجمهور ، يديره انجليزي يتبعه فريق عمل يكاد يخلو من القطريين . وتأتي سيدة من روسيا على رأس متحف المستشرقين المغلق أمام العامة بعد أن كان يديره أحد القطريين المتميزين . كما آنه لدينا سيدة أخرى من امريكا تدير متحف الطفل الذي لا يزال على الورق ، وآخر يأتي من المانيا على رأس المتحف الأولمبي الغير متوقع افتتاحه قريبا . ويفاوض الماني آخر ليأخذ زمام الأمور في متحف التاريخ الطبيعي الذي لا أدري أين وصل مشروعه بالتحديد . ولا أنسى ذكر متحف التصوير الضوئي الذي لم يرى النور أبدا بادارة شخص من اسكتلندا على الرغم من وجود كفاءات قطرية متميزة في هذا المجال ! أضف الى هذه القائمة متحف الخور المغلق على الرغم من انتهاء الصيانه به ومتحف الوكرة ، الذي تحول إلى سكن للعمال بشهادة الصحافة المحلية ، ومتحف الزبارة الذي تحول إلى أطلال . أما الطامة الكبرى فتتمثل في تعيين مديرة أمريكية لمتحف قطر الوطني ، وأكرر هنا كلمة الوطني ، بعد إزاحة الكفاءة القطرية التي كانت تديره وجعله تحت إمرتها !!! . وهذا المتحف المغلق منذ سنين لا يزال مشروعا بدأ في تنفيذه للتو ولا يتوقع افتتاحه قبل أربع أو خمسة سنوات . ولعلي أستطيع هنا الإقتراح بالإكتفاء بعبارة متحف قطر ولا داعي إطلاقا لكلمة الوطني طالما لا يديره مواطن قطري !
وياليت لو وقف الأمر عند هذا الحد ، بل وصل إلى حد تعيين هذه الأمريكية عضوا في لجنة شؤن الموظفين التابعة لهيئة متاحف قطر ، ليكون لها كلمة وقرار في الشؤون الإدارية والمالية الخاصة بالموظفين القطريين ؟؟؟!!!
لا يخفى عليك عزيزي القارىء بأن كل هؤلاء المدراء الأجانب كل له فريقه مكون معظمه من نفس جنسياتهم ، وعليك أن تتخيل حجم الرواتب المدفوعة لهم ، بخلاف المزايا الأخرى من سكن وتنقل واتصالات ومهمات سفر ...الخ .
يرى الجميع جليا الرغبة في إنشاء متاحف جديدة ، ويجرى الإعلان عن ذلك في وسائل الإعلام المختلفة ، لكن يبدو إن نفس الأخطاء التي حدثت و واكبت إنشاء و إفتتاح و تشغيل متحف الفن الإسلامي ستتكرر وستذهب الأموال سدى . فما فائدة بناء متاحف في ظل إقصاء وتهميش الكفاءات القطرية في هذا المجال وإستبدالها بأجانب لا علاقة لهم بتاريخ وثقافة وتراث دولتنا العزيزة علينا جميعا ، فضلا عن إنهم لا ولن يعملوا أبدا بإخلاص وتفاني القطريين المحبين لبلدهم . ولنقم بتشكيل لجنة مختصة محايدة لتققيم أداء هؤلاء الأجانب بكل أمانة وشفافية ومعرفة ما هي خبراتهم ومعلوماتهم عن متاحفنا وتراثنا وماذا قدموا للمتاحف منذ تعيينهم . وليشمل التقييم أيضا الكفاءات القطرية المهمشة المحرومة من خدمة بلدها .
إن بناء الإنسان بالعلم والمعرفة والثقافة لهو أهم من بناء الجدران والأعمدة والحوائط ، وأثمن من كل المقتنيات النفيسة والنادرة ، فهي الضمانة للدولة وهي القاعدة الداخلية المتينة والصلبة التي ينطلق منها إلى الخارج ، الإنطلاقة التي يجب أن تكون بأيدي قطرية خالصة مخلصة وصادقة ، لا بأيدي قطرية متردية أو أجنبية آنية زائلة لا هم لها سوى المادة . وما التنمية البشرية المستدامة إلا عماد الدولة وأسسها ، أو ليس هذا ما جاء في الرؤية الوطنية الشاملة للعام ٢٠٣٠ .


حسن علي الأنصاري 

هناك تعليقان (2):

  1. شي لا يصدق ان يكون تعيين امريكية عضوا في لجنة شؤن الموظفين التابعة لهيئة متاحف قطر ، ويكون لها كلمة وقرار في الشؤون الإدارية والمالية الخاصة بالموظفين القطريين !!شي كولونيالي تماما

    ردحذف
  2. واخزياه!!!!

    ردحذف